العادة و الإرادة
الإشكال
:
هل للعادة
آثار إيجابية فقط؟
يقول جون
جاك روسو :[خير عادة أن لا يعتاد الإنسان على أي عادة].
-
طرح المشكلة(تمهيد+طرح الإشكال)/
العادة
سلوك مكتسب يمر بمرحلتين مرحلة الاكتساب و مرحلة التثبيت و في تثبيتها تحتاج إلى
عوامل منها ما هو نفسي و منها ما هو
موضوعي كالتكرار و منها ما هو اجتماعي , كل هذا لم يشكل خلافا لكن الجدال
و الخلاف
كان حول قيمة العادة و أثرها على السلوك إذ نجد بعض العلماء و الفلاسفة يؤكدون أن
للعادة آثار إيجابية فقط و هناك من يرى أن للعادة آثار سلبية فقط و لهذا
نطرح الإشكال التالي: هل تتمثل آثار العادة
في الجانب السلبي فقط على سلوك الإنسان .
-
محاولة حل المشكلة:
-
الأطروحة/ للعادة آثار سلبية
فقط على سلوك الإنسان
-
البرهنة/
إن آثار
العادة تتمثل في الجانب السلبي فقط و من زعماء هذا الرأي نجد جون جاك روسو , كانط
, غاستون باشلار , فالعادة برأيهم تسبب الركود و الجمود
لعدم وجد الخلق و الإبداع فهي تقضي على
المبادرة الفردية و تجعل الإنسان عبدا لها أي تقيده و في هذا يقول
كانط:[كلما زادت العادة عند الإنسان أصبح أقل جرأة و استقلالية]. أما من الناحية
الفكرية و العلمية فهي تعيق التفكير و تشكل عائقا إستمولوجيا أمام المعارف الجديدة
و هذا ما أكده عليه رائد الاستمولوجيا غاستون باشلار , فإذا آمن فرد بفكرة ما مدة قرون
طويلة فمن الصعب إزالة هذه الفكرة و هذا ما رأيناه من خلال اكتشاف أن الأرض كروية
الشكل إذ كان الاعتقاد السائد هو أن الأرض مسطحة فجاء غاليلي بمعلومة جديدة مناقضة
للأولى و هي أن الأرض كروية الشكل فأعدم من طرف رجال الكنيسة هذا ما جعل أحد
المفكرين يقول :[إن كبار العلماء يفيدون العلم في النصف الأول من حياتهم و يضرون
في النصف الثاني]. أما من النفسية فإن العادة تضعف الحساسية و تقوي الفعالية العضوية
على الفعالية الفكرية , فالطبيب الذي اعتاد على جراحة المريض و معايشته و تعود على رؤية الدم نجده لا
يشعر بآلام المريض و كما أن الإنسان الذي اعتاد على رؤية الموت , الفقر و الجوع
فهذه المظاهر تجعل قلبه قاسيا. إذ يقول
روسو:[المعايشة المستديمة لمظاهر البأس ], و يقول أحد العلماء :[ إن جميع الذين
تستولي عليهم قوة العادة يصبحون بوجوههم بشر و بحركاتهم آلات و أشياء], معنى ذلك
أن الإنسان إذا استولت عليه العادة يصبح مثل الآلة دون عاطفة و لا تفكير و لا
إرادة . فإذا تعود شخص مثلا على القتل فبرغم من انه بشر لكنه يقوم بفعله هذا و
كأنه آلة تنفذ الأوامر فقط.
أما من
الناحية الاجتماعية تعمل على المحافظة على كل ما هو قديم بمعنى تعيق عملية التفتح
لدى الفرد و التحرر من الأفكار القديمة كما أنها تسبب انتشار الآفات الاجتماعية
فتعلم رذيلة يؤدي بالفرد إلى تعلم رذائل أخرى , فمثلا عادة التدخين تؤدي بالفرد
إلى تعاطي المخدرات و عندما لا يجد هذه المادة يقوم بالسرقة أو ربما القتل و من ثم
إلى السجن .
و من هذا كله نستنتج أن للعادة سلبيات على
سلوك الإنسان.
-
نقد الأطروحة /
لقد بالغ هذا الموقف في هجومه على العادة إذ
جعلها وسيلة للضعف و التقيد و لذلك اهتم بالسلبيات فقط و ألغى الجانب الثاني و هو
الإيجابيات و بذلك كانت هذه النظرة نظرة أحادية ضف إلى ذلك إلغاء دور العقل و
الإرادة و تناسى أن إرادة الإنسان تختلف
من شخص لآخر إذ هناك من يمتلك شخصية قوية و آخر لديه ضعغ في الشخصية و ليس كل مدخن
يصل إلى السجن بالضرورة فهناك من يستطيع الإقلاع عن التدخين .
-
نقد الأطروحة / للعادة آثار
إيجابيات فقط
-البرهنة/
للعادة
آثار إيجابية على سلوك الفرد إن تمكن من الاقتصاد في الوقت و الجهد كما أن تعودنا
على فعل من الأفعال يجعلنا نقوم به بسهولة و بسرعة و في هذا يقول بودسلي : [لو لم تكن العادة تسهل لنا الأشياء لكان
في قيامنا بخلع ملابسنا استغراق نهارا كاملا] معنى هذا أن العادة تسهل لنا الأفعال
و تقتصد لنا بالزمن فلولاها لاستغرقنا وقت طويلا في أي فعل نقوم به حتى و لو كان بسيطا أما على المستوى النفسي
و الفكري فهي تحرر الانتباه و باقي القدرات العليا فنحن نقوم بالفعل بتلقائية إذ
يقول
برادين :[المفارقة هي العادات لأنها إبداع آليات من
كائن ليس آلي] و نقصد بالمفارقة هنا التناقض فبرغم من أن الإنسان كائن حي عاقل
فإنه يبدع أفعالا آلية .
أما من
الناحية الاجتماعية فتعتبر العادة وحدة تناسب و تكافل بين أفراد المجتمع فنجد مثلا
عادة التويزة التي هي عادة تعاون بين الأفراد و تزيد من ربط العلاقات بين المجتمع
و أيضا إذا تعودت الأسرة مثلا تناول الوجبات بحضور جميع أفراد العائلة.
كما أنها
تمنح لصاحبها الثقة بالنفس فاكتساب عادة إيجابية يؤدي إلى اكتساب عادة إيجابية
أخرى .
أما من
الناحية الجسمية فنجد آلان يقول إن العادة تمنح الجسم الرشاقة و كذلك بعض العادات
تؤدي إلى الاطمئنان النفسي كقراءة الورد .... نستنتج من كل هذا أن للعادة آثار
إيجابية فقط.
-
نقد نقيض الأطروحة/
إهتم هذا
الموقف بالجانب الإيجابي فقط و أهمل الجانب السلبي فكانت نظرته أحادية مبالغ فيها
فالواقع يثبت أن العادة قد تأثر سلبا على سلوك الإنسان خاصة التطور الفكري .
-
التركيب (الجمع بين الموقفين)
قد أهمل
الموقف الأول إيجابيات العادة و اهتم بالسلبيات في حين أهمل الموقف الثاني الجانب
السلبي و اهتم فقد بالجانب الإيجابي و كجمع بين الموقفين يمكن القول أن للعادة
آثار سلبية و إيجابية على سلوك الإنسان و بما أنه كائن عاقل فيجب أن يكتسب العادات
الإيجابية و يحاول تجنب العادات السيئة و هذا يقتضي إخضاع العادة كسلوك مكتسب
للإرادة الواعية.
-
حل المشكلة :
و في
الأخير نستنتج أن للعادة إيجابيات و سلبيات و بالرغم من سلبياتها لا نستطيع
الاستغناء عنها أنها وسيلة من وسائل التأقلم مع العالم الخارجي و هي تساعد الإنسان
على اكتساب سلوكات جديدة.